القلق مرض نفسي فتاك .. لكن القليل منه مفيد
من الذكاء في بعض الاحيان ان نقلق، لان ذلك يرغمنا على التخطيط واتخاذ اجراءات وقائية
والقلق قد يؤدي الى أمور جيدة، لانه اذا لم نقلق في ما يتعلق بصحتنا، فهل كنا سنأكل
بشكل صحيح ونمارس الرياضة ؟ ربما لا .
لكن القلق قد يتصاعد ليصبح زائدا عن الحد، مزمنا، او الاثنين معا، أو اي شيء ما عدا انه
أمر صحي. انه عامل مشترك يدخل في العديد من الاضطرابات الصحية والعقلية. ولدى
الاصابة بالكآبة، فان القلق قد يأخذ شكل الشعور بالذنب (اي القلق، او الخوف من ارتكاب
ذنب ما) او التأزم بسبب الشعور بعدم الاقتدار. والاضطراب الهوسي اللاإرادي معروف في
تطفله والشعور بالخوف من العدوى وبالتالي فقدان السيطرة والتحكم بالذات. كما ان التوتر
الصحي هو القلق المفرط من الوقوع ضحية الامراض. والشكل المتمادي منه هو الهوس
الصحي الذي ينطوي غالبا على البحث والتنقيب عن العناية الصحية لمرض هو من صنع
الخيال ليس الا .
عذاب القلق والاضطراب التوتري العام هو حالة نفسية معترف بها رسميا يكون فيها القلق
هو العامل المهيمن. والاشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يعذبهم القلق حول جميع
الامور ، من الاحداث اليومية الى العلاقات الشخصية المتبادلة، مرورا بالكوارث المحتملة التي
هي بعيدة تماما عن سيطرتهم. وبالنسبة اليهم، فان القلق بات عادة لا يمكن مقاومتها
كما يقول ستيفن شيرر اختصاصي علم النفس في مستشفى «فرانكلين سكوير
هوسبيتال سينتر» في مدينة بالتيمور الاميركية الذي كتب عن القلق المفرط .
والقلق المفرط قد لاتظهر اعراضه دائما كمشلة صحية عقلية، بل تظهر للبعض كنوع من
الارهاق والصداع والألم في المعدة او كألم غامض. وفي الماضي كان الاطباء سريعي
الحكم، ربما لان هذه الاعراض الطبيعية في الجسم غير المعروفة نابعة كلها من الدماغ
لكنهم وجدوا ان عدم اخذهم بعين الاعتبار الصحة العقلية الضعيفة (الذي يلعب القلق
غالبا دورا هنا) كمصدر محتمل للعلل الصحية، هو امر مضلل ايضا .
دوامة القلق ويلاحظ بروكوفيك انه مع القلق يكون التركيز دائما على المستقبل (انا لن
استطيع اجتياز ذلك الامتحان والنجاح فيه، وسيقومون بفصلي من عملي، الخ..). من هنا
لا توجد طريقة فورية للتعامل مع الخطر. والاسلوب الوحيد هو محاولة التفكير وتخطيط
الخروج من المشكلة. وفي فصل من كتاب «القلق والاضطرابات النفسية: النظرية، التقويم
العلاج» يصف بروكوفيك وزميل له هو نيكولاس سيبرافا القلق بأنه امر فعلي، «لانه عندما
نقلق فاننا نأخذ الامور على انفسنا». وبنظرهما فان صرف القلق يتطلب توجيه الافكار بعيدا
عن الخيال الذي يكون عادة اكثر عاطفية واكثر احتمالا لتوليد رد فعل «المجابهة او الهرب»
وقد اظهرت دراسات تصوير الدماغ انه عندما يقلق الاشخاص، فان النصف الشمالي منه
الذي يتحكم في التفكير الفعلي والتحليلي يكون ناشطا، في حين تكون المناطق الاخرى
(اللوزة اليمنى وقرين أمون) التي لها علاقة بالعواطف والانفعالات هامدة. وأظهر بحث آخر
ان القلق يبلد الاستجابة القلبية الوعائية ويحولها الى صور مرعبة .
وقد يتحول القلق الى دائرة مغلقة، لان القلقين يتوقعون القلق ويحاولون اخماد تلك الافكار
التي قد ينتج عنها رد فعل الذي يجعل القلق اكثر شدة وعنفا. اضافة الى ذلك، فان الاشخاص
القلقين غالبا ما يفكرون في الاحداث المقبلة التي من غير المحتمل ان تحصل. وعندما لا
تحصل أو تتجسد الاحداث ذات الاحتمال الضعيف، فقد يعزز الانفراج الميل الى القلق مرة
اخرى لان الاشخاص يعتقدون الى حد ما ان قلقهم المضطرب هذا حال دون حصول أو تجسد هواجسهم التي كانوا يتوقعونها .
واستنادا الى علم الالفاظ فان الصورة قد تكون مشوشة ومضطربة، اذ يجري استخدام كلمتي القلق والاثارة الداخلية (الحصر النفسي) واحدة مكان الاخرى. لكن استنادا الى بعض الشروحات والتفسيرات، فان القلق ما هو سوى الوضع التفكيري (الادراكي) للاثارة والحصر النفسي الداخلي الذي يتضمن ايضا الاستجابات الجسدية (التنفس السريع والضحل والتعرق). وفي الحديث اليومي
وعلى الآباء والأمهات السير على خط رفيع لأنه من الصعب معرفة متى ينبغي ترك الاطفال
على حالهم لكي يجاهدوا بمفردهم ومتى ينبغي تقديم المساعدة لهم. والأكثر من ذلك فان
ما ينفع طفلا من الاطفال قد لا ينفع الآخر. كما ان الاختلافات المزاجية قد تكون واسعة ضمن
البركة الوراثية الصغيرة للعائلة الواحدة. من هنا فان التصرف المثالي هو في حصول الاطفال
على الحماية والدعم العاطفي متوازنا مع بعض الاستقلالية، بحيث يجري قطع الطريق على
اي ميل الى القلق الزائد عن الحد. واخر ما توصلنا اليه انه يصعب الع*** على الآباء الكاملين
في هذا الصدد مع أطفالهم .
ويقوم الاطباء بشكل منتظم باستخدام دواء «بينزودايازبينس» benzodiazepines مثل
«ديازبام» (فاليوم) لتهدئة الاشخاص. لكن تأثيراته الجانبية واحتمالات سوء استخدامه تعتبر
مشكلة (بعض الخبراء يعتقدون ان مثل هذه الشكوك مبالغ بها). اضافة الى كل ذلك فانه
ليس بذلك الدواء الفعال في التعامل مع الاثارة الداخلية والقلق الادراكي. وقد برزت مضادات
الكآبة كأدوية وعقاقير الخط الاول من العلاج خاصة بالنسبة الى الاضطراب التوتري والحصر
النفسي العام. اما بالنسبة الى التوتر والاثارة الداخلية القريبين من حد الهلع فان استخدام «بينزودايازبينس»، حتى تبدأ مضادات الكآبة تعطي مفعولها، هو امر ما زال شائعا.